المرأة المتعلّمة كنز.. وإشراقتها تضيء بيتها
رفض الزواج بحجة الدراسة.. جـَهـْل
تعدّ الثقافة الأسرية من أهمّ مرتكزات السعادة والألفة، وتحتل المركز الأول في غرس أعمدة البقاء، وترسيخ منارات المحبة والمودّة بين الزوجين، فالجمال الحقيقي هو جمال العلم.. ورونقة الفكر.. وبريق الأدب.
لـيــس الجـــمـــال بـأثـــواب تـــزيـنــنـا إنّ الجـمـــال جمـــال العـلــــم والأدب
فما أجمل الزوج عندما يلبس ثياب الفكر والأخلاق، وما أحلى الزوجة عندما تتزين بحلل الحكمة وفصل الخطاب، فالثقافة نبراس يضيء ظلمات الحياة، ويفتح آفاقاً لينير عوائق الطريق، ويوسّع معالم رؤيتنا للأشياء، فنراها على حقيقتها بلا زيف.
الثقافة نبراس الحياة
استضاء القرآن الكريم بالآيات التي تتحدث عن الزواج والطلاق، وجاءت السنة النبويّة لتؤكد هذه الثقافة بشيء من التفصيل والتوضيح، وازدهرت المكتبات بكتب الزواج التي تحتاج منا إلى التعمق في معالمها والنهل من معينها.
وما زالت الثقافة الأسرية تشق الآفاق لتصبح معلماً ذاتياً وتخصصاً مطلوباً للقضاء على ظاهرة الطلاق.. والعنوسة.. وعزوف الشباب عن الزواج.. وغيرها من الظواهر التي تنخر في عظام المجتمع، وتضعف من دعائمه ومرتكزاته الأساسية.
العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العزّ والشرف
فالثقافة الحقيقية هي كل ما يمكن تداركه من خلال دراسة متجددة لمتطلبات الأسرة، وفهم عميق لطبيعة الحياة، واستفادة من أخطائنا اليومية ثم صقل ذلك بطابع من العمل والمبادرة والتطبيق.
تعريف الثقافة الأسرية :
نستطيع أن نعرّف ثقافة الأسرة بأنها الأخذ من كل جوانب علوم الأسرة بطرف، ولا يراد بها التبحر في كل جزئياتها وتفاصيلها، فنتعرف، مثلاً، على الموضوعات التالية من أبواب الزواج: معنى النكاح وشروطه، ومحرمات النكاح، وحكمة الزواج، كما يجب أن نعرف عن حسن الاختيار، والخطبة، ومنهج الطلاق، وحقوق كل من الزوجين.. إلخ.
بالإضافة إلى معرفة واقع الحياة وما يواجهها من غزو وأفكار مخالفة لعاداتنا النقية ومبادئنا الصافية، ثم التطلع إلى كل وسيلة تكون سبيلاً إلى ثقافة أسرية واعية.
السوس الذي ينخر عـــظـــام الأســـــرة
العشرة الزوجية تفتح لنا نافذتين ننظر من خلالهما فنرى معاني الحب والهدوء والحنان، ونرى من نافذة أخرى فندرك أسرار الحياة وما تحملها من مسؤوليات وحقوق وواجبات، فالذي ينسج خيوط المحبة بين الزوجين هو العلم، والذي يجعلها تتشابك أكثر فأكثر هو الجهل.
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبور
والجهل كما عرفه بعض المعاصرين هو بؤرة منتنة، تشدّ كل ذي هوى إلى عفنها فيغرق في وحلها ويغوص في نتنها، والجهل من أعظم الأسباب التي تعيق السير إلى اللّه سبحانه وتعالى، وتعيق هذه الأقدام أن تنشط من عقالها، وهذه الروح أن تخف من أصفادها، والجهل إذا نــزل بصاحبه قد يكذب الشمس ولو رآها في رابعة النهار.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
وقد وصل الجهل في الآونة الأخيرة إلى أن يطلق الرجل زوجته لأسباب هشة تافهة فلا يدري الزوج لماذا طلق.. ولا تدري الزوجة لماذا طلقت!!
كلّ ذلك أدّى إلى شيوع وسائل تعليم الزوجين، وانتشار مراكز تثقيف الأسرة على أسس أولية لإيجاد حياة سعيدة، فظهرت المجلات الأسرية.. والأشرطة الإسلامية.. وأقيمت الدورات المتخصصة لعلاج العديد من المشكلات الزوجية.
وعندما لا تدرك الزوجة أدنى أساسيات حقوق الزوجية، كطاعة الزوج مثلاً، قد تتدحرج في أروقة الحياة، أو تتعثر في أوّل أزقة الحياة الأسرية.
فما هي فائــدة كثرة القراءة وتقليب صفحات المجلات والصحف إذا لم تتحول الألفاظ والكلمات التي نقرؤها أو نقولها أو نسمعها إلى واقع في الحياة تمشي حيثما سرنا وتقف حيثما وقفنا.
يقول اللّه سبحانه وتعالى على لسان سيّدنا يوسف عليه السلام: ( وَإِلا تَصْرِفْ عَني كَيْدَهُن أَصْبُ إِلَيْهِن وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين )/يوسف:33/. فيوسف عليه السلام يعلمنا نوعاً غريباً من أنواع الجهل، جهل التطبيق والعمل. يقول المتنبي:
وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له إذا لم يكن في فعله والخلائق
وقد قسم ابن القيّم الجهل إلى قسمين:
جهل في الإدراك: وهو عدم العلم بالحق النافع.
وجهل في القصد والإرادة: وهو عدم العمل على مقتضى العلم بالحق النافع بعد تحصيله وهو ما سماه -رحمه اللّه- بجهل العمل. فالجهل من أعظم العقبات أمام صعود درجات المعرفة ومدارج العمل والسلوك. ونعوذ باللّه أن نكون من الجاهلين.
إنّ الأمور المحرمة واضحة جليّة ندرك خطورتها قبل العمل وبعده، ولكن لماذا نصبو إليها ونتغافل عن حرمتها ؟
ولماذا أصبحنا نرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً؟
لا بدّ أن نجيب على هذه الأسئلة بكل جدية وصراحة ونعمل على مراجعة عيوبنا وأخطائنا في حياتنا الزوجية.
أليس من الجهل أن ترفض المرأة الزواج بحجة الدراسة؟
ألم تستمع إلى العديد من القصص التي تناقض النظرية التي تقول إنّ الزواج يتعارض مع الدراسة؟
ألم تدرك أنّ الزواج بوصفه سكناً ورحمة ومودة واستقراراً وتوفيقاً يعين على الدراسة؟
أليس من الجهل أن ترفض المرأة الزواج لأن من تقدم لها أقل منها في مستوى التعليم.. فكم من الزوجات كنّ سبباً في تشجيع أزواجهنّ على العلم وإكمال الدراسة؟
امرأة عالمة ومتعالمة
يقول أحد المفكرين: هناك بون شاسع بين امرأة جاهلة لا تعلم من أمور حياتها سوى الأكل والشرب والنوم وبين امرأة تحمل آفاق الحياة بين يديها، تنظم حياتها وفق ما تراه مناسباً لإسعاد من حولها. والفرق جليّ بين امرأة عالمة وأخرى متعالمة، فالمرأة العالمة تعرف ما لها وما عليها من حقوق وواجبات، وتستطيع أن تأخذ حقوقها وفق أدب وتحت راية الأخلاق وفي منطق الحياء.. راسخة الحجة.. قويّة البيان.. والمرأة المتعالمة بذيئة اللسان.. سيئة الخلق.. ترمي الكلام دون أن تعرف معناه.. فهي كطبل له صوت وهو خالٍ.
أساسيّات الثقافة الأسرية
إنّ من أساسيات الثقافة الأسرية فهم مفردات الحياة وما تشير إليه من سعادة وابتلاء.. أمل وألم.. فرح وبكاء.. حب وكَـبَد.. وعندما تتثقف الزوجة تدرك ذلك فتصبر على المحن بقلب مشحون بالرضى والإيمان.. يشاركها زوجها الذي أدرك طبيعة العشرة الزوجية.. فيصبر على كل مكروه.. ويحمد اللّه عزّ وجلّ على كلّ معروف ونعمة ومنحة.
الحياة رحلة تحيطها الزهور والأشواك وما علينا إلا أن نستنشق المسك النابع من حمائل الزهور ونمتص رحيقها الذي يدفعنا إلى المعارف.. أو ننظر إلى ألوانها التي تأخذنا إلى عالم الفكر والإدراك دون أن نجرح أقدامنا بأشواك الطريق.
فالإنسان وُلد جاهلاً لكنه كل يوم يزداد ثقافة، وتتفاوت نسبة هذه الزيادة بقدر اجتهاده ومثابرته على طلب المزيد من المعرفة، وعندما يدخل عالم الزواج تتحول هذه النظريات إلى واقع ملموس، فيصطدم بواقع آخر يحتاج إلى كثير من الإدراك والتأني، فيتعلم من أخطائه، وكل يوم هو في واد يقطعه إلى مدارج الثقافة ومدارك الفكر، وكل لحظة من حياته يكتب مذكراته وخبراته في الحياة وما تحتويها من خفايا وأسرار.
إنّنا نعلّم بعضنا من خلال تجاربنا.. فنرى سلبياتنا وكيف استطعنا أن نتغلب عليها. هذه التجارب هي من أساسيات الثقافة.. وبغيابها لا نذوق طعم السعادة في عشنا الآمن.